فى مقدمة رواية “المتحدث عن الموتى” “Speaker for the Dead” بيتكمل الكاتب “أورسون سكوت كارد” “Orson Scott Card” عن السبب وراء اختياره لفكرة الرواية، وهي ان فى العزاء بيكون فيه خطبة قصيرة عن المتوفى، لكنها دايما صورية، بتكون جزء بسيط من حياة المتوفى، بتكون وجهة نظر ضيقة من فرد عايش المتوفى، وانها مش بتعكس ازاي فعلا الشخص ده عاش حياته، حقيقة الفرد ده، بفرحه ومعاناته والجيد والسىء من افعاله وطباعه، ومن هنا اوجد وظيفة جديدة “المتحدث عن الموتى” هو شخص ممكن تستدعيه لحد قريب منك توفى، بيدور عن حياة المتوفى كلها وبيتكلم مع الناس اللى عرفته وبيفهم المتوفى ودوافعه ومعاناته وتصرفاته وتصرفات المجتمع تجاهه وبعدها بيجمع الناس ويلقى خطاب عن حياته، ميلاده ووفاته، طفولته وشباباه وشيخوخته وعمله وعائلته وطباعه، بيتكلم بالحقيقة بس، بدون تحسين او تغيير، بيعرف الناس عن الشخص ده زي ماهو عاش فعلا.
فى الرواية الوظيفة ليها بعد أكبر، لأن البشر استوطنوا 100 كوكب اقربهم بعيد سنوات ضوئية عن بعض، فلما تطلب “متحدث عن الموتى” لحد قريب منك واقرب كوكب على بعد 20 سنة ضوئية مثلا، فلو المتحدث اتحرك بسرعة مقاربة لسرعة الضوء هياخد اكتر من 20 سنة بقليل علشان يوصل ليك، بالنسبة ليك 20 سنة وبالنسبة للمتحدث وقت قصير بيتناسب مع الفرق بين سرعته فى السفر وسرعة الضوء، بيكون مر عليه مثلا اسبوع، ولو المسافة اطول او اتنقل اكتر من مرة بيكون وقتها محتفظ بالحقيقة عن موتى ماتوا من الاف السنوات، لو قارنتها بتاريخنا هتلاقيه حاجة شبه صحابي عايش الرسول مثلا ومع ذلك لسة فى الثلاثينات من عمره ومعاصر لينا وبيتكلم عن الرسول بالظبط زي ماشافه، لأن آخر مرة شافه حى كان من شهر!
اللى لفت نظرى ان الفكرة دي ممكن تتطبق فى مجتمعاتنا، كام واحد مننا فقد أب او أم او قريب عزيز خلال الفترة الأخيرة؟ لو فرد من العائلة أختير علشان يتحدث عن المتوفى، يعرف الناس بحياته وطباعه كما هي، يدور ويتفهم الفرد ده اكتر من الكلام مع الناس اللى عايشته وتعاملت معاه، وبعدها يعمل فيديو عن الفرد ده وينشره على السوشيال ميديا، هيكون لفتة جميلة للمتوفى، ناس اكتر هتعرف الشخص ده وحياته وليه اطفاله بيحبوه او حتى بيكرهوه، ليه كان ناجح او حتى فاشل، أحنا سايبين الوظيفة دي للمؤرخين علشان يتكلموا عن حياة الأشخاص اللى شايفينهم اثروا بشكل كبير فى المجتمع، لكن ليه مانعملش احنا كده مع الناس اللى اثرت فى حياتنا وحياة اللى حوالينا على نطاق اضيق لكنه مهم بالنسبة لينا؟
الفرد اللى ممكن تتكلم عنه، ممكن يكون اي حد شايف انه يستحق ان الناس تعرف عن حياته واعماله، ممكن يكون قريب او صديق او استاذ، اي حد حياته كانت مميزة بالنسبة ليك وعاوز الناس تعرف ازاي عاش، اللفكرة انك تلتزم الحياد ويكون كلامك فعلا معلومات عنه، يمكن ده يكون اصعب نقطة فى الموضوع لكنها اللى بتفصل بين الحقيقة وبين المجاملة، الحقيقة ليها تأثير مطهر للنفس، لكن المجاملة مجرد اسم تاني للكذب، والكذب بكل صوره سام للروح.
الفكرة دي بتدي معنى اكتر للفرد وحياته، الترحم على الفرد بعدنا بيكون ناتج عن فهم وحب ليه اكتر منه واجب مالوش جذور فى قلب الفرد، بيكون نتيجة انك تشوف الفرد على حقيقته وانه كان زيك بالظبط عمل الجيد والسىئ، وفهم لإيه اللى أثر فيه وأتأثر بتصرفاته، ولو أكتر من فرد أتكلم عن نفس الشخص بيكون فهمك ليه اكبر، وحبك ليه اعمق، بيكون الفرد كأنه عاش بعد ما مات فى قلوب الناس واذهانهم.